كشف إسقاط طائرات روسيا وتركيا في سيناء ومصر وتعامل بوتين مع
النظامين عن الفرق بين نظام منتخب يحظى بدعم شعبي وشرعية دستورية، وآخر
قادم على دبابة اغتصب السلطة من رئيس منتخب، فالنظام التركي بقيادة أردوغان
أسقط طائرة النسر الروسي لأنه أخترق المجال الجوي التركي، ورفض أن يعتذر
لروسيا رغم أنها قوة عظمى في المجال الحربي، بل طالب موسكو بالاعتذار
لتعمدها اختراق المجال الجوي التركي، وهدد بإسقاط أي طائرة تقترب من مجاله
الجوي.
وعلى النقيض انتاب عبد الفتاح السيسي حالة
من الرعب بعد سقوط الطائرة الروسية في سيناء رغم أن إعلامه يحاول أن
يظهره بمظهر "الدكر" وهي لفظة في التراث الشعبي تطلق على الرجال أصحاب
المواقف القوية والحاسمة، لكن يبدو أن "دكر الانقلاب" مفعوله فقط في قتل
أبناء شعبه من المعارضين لنظامه العسكري، أما في مواجهة بوتين فنعامة
يستقبل بكل مهانة قرار بوتين بتعليق كل حركات الملاحة الجوية من روسيا إلى
مصر، ومنع استقبال طائرات مصر للطيران على أراضيه، فضلاً عن إجراءات أخرى
كثيرة اتخذتها الدول الغربية وضعت الجانب المصري على المحك.
أما
إعلام "دكر الانقلاب" فقد حاول الدفاع عن سقوط الطائرة بتفسيرات مضحكة،
وهي أنها جراء حمولة زائدة أو ماس كهربائي وغير ذلك من توضيح للموقف
القانوني وأن مصر ليست مسؤولة بل الشركة الروسية المنكوبة، وبيانات عن
استقبال وفود وخروج أخرى كـ"وضع طبيعي"، بجانب الإجراءات الأمنية المشددة،
كل ذلك أساء لصورة مصر خارجيًّا.
وما حدث خلالها من تذبذب في
موقف نظام الانقلاب وسعيه لتبرئة ساحته من سقوطها بأي ثمن كان حتى لو كان
إدخال فرق تحقيق بريطانية وروسية في سيناء وفرض رقابة أمريكية وروسية
وبريطانية على المطارات تحت شعار “شركات أمن متخصصة” وهو بالطبع ما يناقض
السيادة القومية المصرية على أراضيها بما فيها المطارات، فضلاً عن إعطاء
روسيا استثمارات كبيرة من خلال قيامها بإنشاء مشروع الضبعة النووي والذي
سيضم 8 مفاعلات نووية بقيمة 20 مليار دولار.
بحيث تمتلك روسيا
هذه المفاعلات المقامة على الأراضي المصرية وتتحكم في الوقود النووي وتبيع
ناتجهم الكهربائي لمصر بمبالغ خيالية فتجني هي المليارات جراء هذا البيع،
وتتحمل مصر المخاطر النووية فيما لو انفجر هذا المفاعل أو حدث به أي عطب
كما حدث في المفاعل الروسي تشرنوبل الذي لا زالت روسيا وأوربا تتجرع
الإضرار بسبب تسريب طفيف أصابه منذ عشرين عامًا.
ومن
ضمن الامتيازات التي قام السيسي بمنحها للغرب كما أوردت صحف عربية ومهد له
إعلاميون تابعون للمخابرات العامة المصرة كأحمد موسي ووائل الإبراشي جراء
هذه الحادثة هو موافقته على قيام الطيران الروسي بقصف مناطق في سيناء بحجة
محاربة تنظيم ولاية سيناء، وهو التنظيم الذي تحاربه فعليًا الآن في سيناء
قوات الجيش المصري بمساعدة جوية من طيران إسرائيلي وطيران آخر تابع للقوات
متعددة الجنسيات والتي هي في الحقيقة قوات أمريكية وبريطانية ليكون بذلك
اتخذ ذات الخطوة التي اتخذها رفيقه بشار الأسد في السماح لقوات أجنبية بدك
شعبه بالطائرات الحربية.
موقف النظام التركي
الموقف
التركي حاز على إعجاب كثير من الكتاب والمفكرين العرب من المحيط للخليج
واعتبروه موقفًا مشرفا للجارة المسلمة في وجه الصلف الروسي الذي يذبح
طيرانه الشعب السوري الشقيق.
فالكاتب السعودي جمال خاشقجي المقرب
من النظام الحاكم بالسعودية يرى أن “قرار إسقاط المقاتلة الروسية ليس
عسكريًا صرفًا سبق للروس اختراق المجال التركي قبل الانتخابات ولم ترد
عليهم أنقرة”، مضيفًا: “إنه قرار سياسي وتصعيد محسوب”.
وتابع
خاشقجي على حسابه في تويتر: “للموقف التركي القوي اليوم علاقة واضحة
بانتصار العدالة والتنمية وخروجه بحكومة قوية منفردًا بالسلطة بعد انتخابات
أول نوفمبر”.
وحول أنباء تحدثت آنذاك عن إسقاط مروحية روسية
أخرى على يد كتائب المعارضة السورية علق خاشقجي بقوله: “لابد أن المروحية
الروسية التي دُمِّرت بجبل التركمان حملت عدداً من القوات الروسية الخاصة،
ذلك أنها كانت في مهمة إنقاذ وبحث عن طياري السوخوي”.
وقال
الإعلامي بقناة “الجزيرة” فيصل القاسم على تويتر، ساخرًا من تعليقات
الرئيس الروسي على حادث الطائرة: “بوتين يقول إن الطعنة جاءته ممن يدعمون
الإرهاب.. يقصد تركيا طبعاً، ما أقبح الـ… عندما تُحاضر بالشرف.على أساس
أنك يا بوتين ترمي الورد على السوريين”، .
وأضاف : “أردوغان
احتفظ بحق الرد خمس دقائق فقط، ثم أسقط الطائرة الروسية. أما نظام الأسد
فيحتفظ بحق الرد على الطائرات الإسرائيلية التي تنتهك أجواء سوريا ليل نهار
منذ خمسين عاماً”.
وتابع القاسم: “الدول التي تحترم نفسها لا
تسمح للطير الطائر أن ينتهك أجواءها، بينما بشار الأسد فتح كل حدود سوريا
للقاصي والداني كي يقول للعالم إنه يواجه إرهابيين”.
فيما غرّد
الحقوقي الجزائري والمراقب الدولي السابق في سوريا أنور مالك، على تويتر
قائلاً: “تركيا تُسقط مقاتلة روسيا لأنها دولة ذات سيادة ومكانة صنعتها
شرعية حكامها لدى شعبهم، ولم ولن تحتفظ بما تسميه (حق الرد) كما يفعل
السفاح الأسد”.
وعن حجم التصعيد الروسي المتوقع رأى مالك أن
بوتين “يتوعد ويتهدد، ثم يعود إلى حجمه الطبيعي، فلا يمكنه أن يتحرك
عسكرياً ضد تركيا، ولن يتجرأ مطلقاً على السعودية، فيكفيه الغرق في مستنقع
سوريا”.
من جهته، تطرق الصحفي الفلسطيني ياسر
الزعاترة إلى رد الفعل الروسي، واعتبر أن بوتين “في ورطة كبرى بعد إسقاط
الأتراك للطائرة، إن ردَّ فسيتورط أكثر في مستنقع المنطقة، وإن سكت فسيعني
بلْع إهانةٍ كبيرة، سوريا ورْطته الكبرى”.
الزعاترة أضاف على
تويتر: “ما فعله الأتراك ضد الطائرة الروسية جاء بعد تحذيرات. بوتين يدرك
أنه سيكون في ورطة إذا قرر الرد. سيكتفي بالتصعيد في سوريا على الأرجح”.
وقال
الزعاترة أن الغرب “سعيد بالورطة الروسية. بوتين وجّه له إهانات كبرى في
أوكرانيا، وهو يجد اليوم فرصة لرد الإهانة”، مضيفاً “عموماً، تناقضات
الكبار تخدم المستضعفين”.
“ما جرى ليس مجرد اشتباك تركي-روسي، بل
اشتباك مع حلف الناتو الغربي بقيادة أميركا”، هكذا كتب الكاتب السعودي
والصحافي بجريدة الشرق الأوسط “مشاري الذايدي”، الذي أكد ذلك بقوله:
“استجابت قيادة الناتو لدعوة تركيا إلى عقد اجتماع عاجل لبحث التهديدات
الروسية”.
ولم يستبعد الذايدي عودة سيناريو الحرب بين الأتراك
والروس عام 1853، لتشابه الظروف، حيث “انخرطت بها قوى غربية مع العثمانيين
ضد الروس (بريطانيا العظمى وإيطاليا)”، وهي الحرب التي انتهت “بمعاهدة
باريس التي كانت بوابة كثير من التغيرات السياسية على كل الدول التي شاركت
بتلك الحرب”.
ورأى الكاتب اللبناني محمد علي
فرحات أنه “ليس لبوتين سوى تلقي الضربة والتواضع قليلاً. لا يكفي حلفه مع
إيران لتعزيز مصالحه في المشرق العربي”.
وأضاف فرحات في مقال له
نشرته الحياة اللندنية: “ضربة السوخوي ستعيد حاكم الكرملين إلى الواقع. إنه
حليف واشنطن في ضرب داعش، ويمكن أن يتقاسم معها النفوذ بشروطها لا بشروط
طهران، ولن يستطيع المرشد الحلول محل واشنطن في رسم خرائط النفوذ الجديدة”.
أما
الكاتب الصحفي المصري وائل قنديل فقد أكد أن “رصيد الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان لدى المواطن العربي، الطبيعي وليس المسخ، يسمح ويزيد بتصديق رواية
أنقرة في موضوع إسقاط المقاتلة “سوخوي” الروسية، بعد انتهاكها الأجواء
التركية، وعدم استجابتها للتحذيرات المتكررة”.
وأضاف قنديل في
مقال له على موقع “العربي الجديد”: “عرف العالم أردوغان صادقاً، منحازاً
للحق، ومدافعاً عن الإنسانية طوال الوقت، بينما عرفنا الرئيس الروسي
فلاديمير بوتين ثعلب مخابرات، جنرالاً باطشاً، يدافع عن الاستبداد في كل
مكان”.
غطرسة روسيا على "دكر الانقلاب "
رغم
الغطرسة الروسية الكبيرة التى تفرضها على نظام السيسي الا انه تحفل قضية
سقوط الطائرة الروسية بالكثير من المفارقات والمقارنات المزعجة، ليس لمصر
وروسيا وحدهما، بل للعالم كله، فهي تذكر بفاجعة الطائرة الماليزية MH17
التي أسقطها صاروخ فوق أوكرانيا والتي أكدت لجنة التحقيق الدولية مسؤولية
مسلحين مدعومين من روسيا (وبالتالي الكرملين نفسه) عنها.
هذه
المقارنة التى عقدتها افتتاحية جريدة القدس العربي اللندنية تكشف مسؤولية
روسيا أخلاقياً عن سقوط الطائرتين، فليس هناك إرهاب حميد وإرهاب خبيث:
كلاهما إرهاب، وكلاهما أدّى إلى ضحايا مدنيين لا علاقة لهم بسياسات الطرفين
المتنازعين، كما أنها تكشف لجوء موسكو المستمر لاستخدام أكاذيب مفبركة،
وهو ما اضطر الاتحاد الأوروبي مؤخرا لإنشاء جهاز إعلامي للرد على ما سماه
«التضليل الروسي».
روسيا التي رفضت التحقيق الدولي حول الطائرة
الماليزية حين لم يتناسب مع مقاييسها فوجئت بوجود عشرات الأدلة الأخرى التي
جمعها صحافيون متمرسون من وسائل التواصل الاجتماعي عن أكاذيب تقنية
استخدمتها لتركيب «التهمة» على الحكومة الأوكرانية ومنها مقابلة مدعاة مع
موظف اتصالات اسباني زعمت محطة روسية أنه يعمل في مطار كييف مع فيلم يظهر
طائرة مقاتلة أوكرانية تقصف الطائرة المدنية الماليزية، ثم، حين انفرطت
القصة، عرض صور «ستالايت» تم التلاعب من خلالها بمركز انطلاق الصاروخ.
تعليقات
إرسال تعليق