سؤال ألح على عقول المصريين منذ
الأمس بعد الحكم على الرئيس المنتخب "محمد مرسي" بالسجن 40 عاما في القضية
المعروفة إعلاميا بالتخابر مع قطر ..قضية بدون أدلة ولا شهود ولا أحراز
وقائمة على تحريات ضابط أمن وطني ، وتصحبها ضجة إعلامية كبرى واستنكار
عالمي اكبر
والسؤال هو لماذا التخابر مع قطر؟! لماذا يتم اتهام مرسي بالأساس في قضية كهذا؟
وسأحاول الإجابة ببساطة على هذا السؤال:
عقب الإنقلاب العسكري بقيادة "عبد
الفتاح السيسي" على أول رئيس منتخب شهدته مصر الرئيس "محمد مرسي" في
الثالث من يوليو 2013 ،وإيداعه مكان غير معلوم ، رفضت الدولة المصرية إطلاع
المحامين ومنظومات حقوق الإنسان عليه، اي أنها عملية خطف أشبه بما تقوم به
العصابات والمافيا، وبعد شهور من عملية الخطف تلك وتحديدا في 21 ديسمبر من
العام 2013 استيقظ المجلس العسكري من نومه ليكتشف أن مرسي الذي كان يحكم البلاد ويرأسهم ويقود القوات المسلحة عاما كاملا قد هرب من السجن ، فتم
تحريك أول قضية ضده وهي قضية الهروب من سجن وادي النطرون، ثم قضية التخابر
مع حماس ، أي انه طوال 4 شهور لم يكن الرئيس مرسي متهما بأي شيء ، بل فقط
رئيس انقلب عليه جيشه بزعم الوقوف مع إرادة بعض الجماهير التي خرجت ضده في
حماية الجيش والشرطة لتتظاهر لمدة 6 ساعات فقط
الأغرب أنه وبعد عام كامل من خطف
الرئيس واحتجازه وتحديدا في 6 سبتمبر من العام 2014 أحال النائب العام
الراحل "هشام بركات" الرئيس مرسي و10 آخرين من أعضاء الإخوان إلى محكمة
الجنايات، في القضية المعروفة إعلاميا باسم التخابر مع قطر.
وبعد عام آخر تم تحريك قضية إهانة القضاء،
اي أن الدولة المصرية بقيادة "عبد
الفتاح السيسي" كانت تخرج علينا كل فترة من الوقت لتعلن لنا أنها استيقظت
من نومها لتكتشف قضية جديدة متهم فيها الرئيس المنتخب لتشرعن بقاءه في
السجن والانقلاب عليه،
ولكن : لماذا التخابر مع قطر تحديدا؟!
للإجابة على هذا السؤال ؛ يجب أن
نعلم أن القضاء المصري بقيادة المستشار "محمد شرين فهمي" اصدر حكمه بالأمس
في قضية التخابر مع قطر بالسجن 40 على الرئيس محمد مرسي ..وفي حيثيات
الحكم نجد 25 سنة سجن لقيادة تنظيم محظور (الإخوان المسلمين) و15 سنة سجن
له ولمدير مكتبه "أحمد عبد العاطي" بدعوى الإستيلاء على أوراق ووثائق هامة
خاصة بتسليح الجيش وإعطائها للسكرتير الرئاسي "أيمن الصيرفي" والذي حكم
عليه بالإعدام هو وابنته وعدد من الصحفيين لإدانتهم بتسريب هذه الاوراق
لضابط في المخابرات القطرية، مع براءة مرسي تماما من تهمة التسريب أو
التخابر مع قطر،
لاحظ : السجن على الرئيس ليس للتخابر فقد برأته المحكمة من التهمة تماما، بل لقيادة تنظيم محظور والاستيلاء على اوراق ووثائق هامة
وبالنظر في تلك التهم : نجد ان
الرئيس مرسي لم يكن يوما ما قائدا لتنظيم الإخوان بل عضوا فيه ، وترشح
لرئاسة الجمهورية وفاز في الانتخابات وقاد الدولة وقواتها المسلحة عاما
كاملا وعين السيسي على رأس الجيش وهو عضو في تنظيم الإخوان،
كما أن التنظيم لم يعد محظورا بعد
ثورة يناير بدليل خوضه 5 انتخابات حقيقية، كما أن محكمة النقض المصرية في
نوفمبر 2015 أصدرت حكمها بنفي الإرهاب عن قادة الإخوان واعتبرت "النقض"
قرار النائب العام الراحل "هشام بركات" بإدراج 18 قيادة إخوانية بقوائم
الإرهاب، لغوًا لا أثر له ومنعدمًا من الأساس، ولا يعتد به ولا يجوز نظره
لبطلانه،
وإذا أضفنا إلى هذا أن من سلطات
"محمد مرسي" كرئيس للجمهورية الإطلاع على كل الأوراق والمعلومات الهامة
التي تخص الدولة وجيشها بصفته قائدا للقوات المسلحة بل والاحتفاظ بتلك
الأوراق والمعلومات ، نعلم أن تهمة الاستيلاء على اوراق تخص الجيش تهمة لا
محل لها في القانون أساسا،
ويؤكد رجال قانون ان الحكم بسجن الرئيس 40 عاما سيتم نقضه حتما في محكمة النقض
فإذا عرفنا أن الرئيس مرسي قد صدرت
ضده بالفعل احكام بالسجن 45 عاما من قبل ، بالإضافة لحكم إعدام ،فيما لا
يزال يواجه محاكمة خامسة جارية في قضية يتهم فيها بإهانة القضاء المصري ،
ففي عام 2015 صدر بحقه حكم بالإعدام
في قضية الهروب من سجن وادي النطرون اثناء ثورة يناير 2011 ، والتي
اعتبرها قانونيون اكبر نكتة في تاريخ القضاء في العالم ، متهم لم يثبت
دخوله السجن ولم يدرج بكشوفه مطلقا ، ولم تكن له أي تهمة من الأساس ليودع
بها في السجن ، فحينما يتم القبض عليه عشوائيا ويخرج مع من خرجوا عند فتح
السجون اثناء الثورة كما اثبت ذلك وزير داخلية الإنقلاب "محمد إبراهيم"
"وشهادته مسجلة بالصوت والصورة" فإنه يحكم عليه بالإعدام بدعوى هروبه!!!
..أعجوبة!!
كما أنه قد حكم على مرسي من قبل بالسجن 25 عاما في قضية اتهم فيها بـ "التجسس" لصالح حماس في العام 2015.
كما صدر حكم ثالث بحبسه 20 عاما في قضية الاشتباكات التي وقعت أمام قصر الرئاسة في الاتحادية في ديسمبر 2012 ،
بمعنى أن الإنقلاب ليس بحاجة لإصدار احكام سجن جديدة ضد مرسي
فنستنتج من هذا كله أن قضية
التخابر من أولها لآخرها ليس المقصود منها سوى تشويه الرئيس محمد مرسي
وإثبات تهمة إعلام مراحيض الانقلاب عليه بكونه جاسوس،
خاصة وأن المصريين قد سخروا من تهمة
التخابر مع حماس وإعطائها معلومات عن الجيش الإسرائيلي، واعتبروها نكتة
سخيفة بل ورأوا تعاون مرسي مع حماس "حركة المقاومة الإسلامية" وسام على صدر
الرئيس يزيده شرفا وعزة،
فجاءت القضية الهزلية للتخابر مع
قطر لمحاولة إلصاق به تهمة الجاسوسية الكاذبة، وفي كل الأحوال فعلاقة
الإنقلاب سيئة للغاية مع دولة قطر ، منذ قررت تلك الدولة الصغيرة في الحكم
الكبيرة في السياسات والثروات أن تقف بجوار ثورات الربيع العربي وخيارات
الشعوب
ولكن يبدو ان عقدة العمالة
والجاسوسية يعاني منها بطل إسرائيل القومي وابن حارة اليهود وصاحب دعوة
السلام الدافيء مع الكيان الصهيوني فأراد أن يلصقها بالرئيس الوطني الشريف
الذي انقلب عليه،
مثلها مثل شائعة بيع البلد التي أطلقها على مرسي ونفذها هو بالفعل،
ولهذا فقد تم طبخ قضية التخابر مع قطر ضد الرئيس محمد مرسي ،ولكن للأسف ..كعادة الإنقلاب ، طبخوها على عجل ..فخرجت ماسخة بغير طعم
ملحوظة : نائبة مدير قسم الشرق
الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية "ماغدلينا مغربي" وصفت الحكم
في قضية التخابر بالأمس بـ "النتائج المروعة" ، وقالت مغربي في بيان مقتضب
إن "نظام العدالة في مصر معطل وفاسد تماما وليس أكثر من مجرد أداة قمع في
يد السلطة لأي بقية من المعارضة"
بما يعني أن سمعة القضاء المصري
واتهامه بالفساد أصبحت عالمية .. ولا تحتاح تحريك قضايا إهانة قضاء كتلك
التي يحاكم بشانها الرئيس مرسي وكل رموز المعارضة ، العالم أساسا بينظر
لمصر على كونها دولة لا يوجد بها منظومة قضائية ولا عدالة
تعليقات
إرسال تعليق